الثلاثاء، 21 يوليو 2009

مقدمة


مقدمة


الشعر هبة السماء.
مرآه النفس ، واختلاج المشاعر ، وإعادة تشكيل الحياة على الصورة التي أنفق المفكرون والفلاسفة أعمارهم يحلمون بها، ويسعون إلى تحقيقها، صحيح إنهم لم ينجحوا، ولكن حسبهم أنهم كانوا يريدون الأفضل والأجمل.
والشاعر لا يختار نفسه، بل يختاره القدر، عندما يجد فيه تربة صالحة للإنبات والإثمار.
والشعر ليس ترفا للشاعر، وإن اعتبره الآخرون كذلك، فهو عبء ثقيل وهم مقيم... نعم، فإن الشاعر الحقيقي يحمل رسالة، ويقوم بمهمة شاقة، إنه أكثر الناس وأسرعهم تأثرا بما يدور في نفسه ومن حوله، إن أوتاره المرهفة المشدودة سريعة الاستجابة، شديدة التأثر ومن هنا يأتي همه الدائم وعناؤه المقيم.
والشاعر الحقيقي مفكر مع كونه شاعرا، أو قبل أن يكون شاعرا.
أما الذين يرون الشعر تهويما وسباحة في الأوهام وأنهم يكتبون في حالة من اللاوعي، وأن القصيدة هي التي تكتبهم، وليس العكس فلا أظن أنهم صادقون في ذلك، وإن كانوا صادقين فإن المصيبة تكون أعظم.
وموضوعات الشعر تشمل الحياة كلها، فليس ثمة موضوع يصلح للشعر دون غيره، ولكن العبرة بالطريقة التي يتناول الشاعر بها الموضوع، والصورة التي يعبر بها عن رؤيته.
وليس هناك كذلك – في رأيي على الأقل- شعر مناسبات وشعر بلا مناسبة، ذلك أن أي خاطر أو باعث على الكتابة إنما هو مناسبة بحد ذاته، وليست المناسبة بالضرورة عرسا أو مأتما، وحتى هذه فإن العبرة تظل دائما بإنسانية التناول وجمالية الأداء، فالمتنبي كان شاعر مناسبات بالدرجة الأولى، لكنه كان ينطلق من خصوصية المناسبة إلى آفاقها الإنسانية الرحبة.
وثمة نفر ممن ينصبون أنفسهم أباطرة على عرش الأدب، يمنحون صكوك الشاعرية على من يرضون عنهم، وينسجون على مناولهم، ويحرمون غيرهم من دخول فردوس الشعر، يفعلون ذلك في الوقت الذي ينعون فيه ضياع قيم الحرية في الاختلاف وغياب الاستقلالية في الرأي.
لقد صار الشعر العمودي – وهو بالمناسبة أبو الشعر- صار يستجدي مكانا له بين أشكال الشعر الأخرى، أي إن الوالد أصبح يلح على ولده ليعترف الأخير به.
ولو أن هؤلاء قد عابوا على الشعر العمودي سطحية بعض شعرائه وجفاف تناولهم، لكنا أول من يشد على أيديهم، ولكنهم يصمون أذانهم، ويغمضون أعينهم عنه لمجرد كونه شعرا عموديا، إما استخفافا به، أو خوفا من أن يفاجئهم بجودة لا تهواها أنفسهم. إن الهجوم على الشعر العمودي تزداد خطورته عندما يتعدى مجرد الاختلاف على شكل من أشكال التعبير، إلى الاختلاف بين مضمونين حضاريين، ينتمي أحدهما إلى هذه الأمة ولا نعرف إلى أية جهة ينتمي الآخر.
وخلاصة القول، فإن الشاعر الحقيقي هو الذي يمتلك الرؤية الثاقبة للكون والحياة ويعبر عنها بصورة طريفة، وهو المعبر عن نفسه والناس جميعا، حاملا لهمومهم، معبرا عن أشواقهم، مستخدما في ذلك ما أمكنه من أدوات التعبير والتأثير.
وهو في ذلك لن يعدم من يشيدون بفنه، ويعجبون به، ولن يعدم كذلك من لا يروقهم إنتاجه مهما تخلى عما يرونه مغايرا لمذهبهم الشعري وطرائقهم في التعبير.
لقد جمعت هذه الأشعار نزولا على رغبة زملائي وأصدقائي بأن تكون هكذا في كتاب، ولعلي بذلك قد أرضيتهم أملا أن تنال إعجابهم وإعجاب غيرهم، وإلا فإني قد حققت لنفسي شيئا من الرضى، عندما أترنم بها في خلوتي، أو مع أصدقائي، أو وأنا سائر على جنبات الطريق.

حسن متولي عبيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق