الأربعاء، 15 يوليو 2009

قراءة في ديوان فيض الشجون

قراءة في ديوان فيض الشجون للشاعر حسن متولي

قراءة في ديوان "فيض الشجون" للشاعر حسن متولي
بقلم: عبدالبر علواني
"هل الريح تعلم أني انفلاق الشعاعوأني انعتاق الغضب"
ربما كان هذان السطران الشعريان اللذان أبدعهما الشاعر علي قنديل
في ديوانه(كائنات علي قنديل الطالعة)
مدخلا صالحا من كثير من الوجوه لدراسة تجربة الشاعر(حسن متولي)
في ديوانه الأول فيض الشجون الذي صدرت طبعته الأولى عام 2008م.
لقد صدر هذا الديوان في الوقت الذي امتلأت فيه الساحة الشعرية بما يسمى شعر الحداثة
،الذي دقت من حوله الطبول ،وأقيمت له حفلات الزار،حتى أصبح له سدنة ومريدون
،وأصحاب مباخر.
وديوان(فيض الشجون)
يمثل تجربة من الشعر العمودي،هذا الشعر الذي عاب عليه النقاد
بأنه لم يعد فيه مواهب،تزاوج بين مقتضيات التراثية،وطبيعة العصر في التجربة،
واستخدام اللغة،وبناء العبارة،وأن معظمه ليس فيه الوهج الفني الشعري الذي يمكن أن يجعله مقبولا
إلى جانب الشعر الحر، وشاهد ذلك عندهم أن الشعر العمودي بدأ يتضاءل،
فجاء الشاعر ليرد على كل هؤلاء قائلا:
ودع عنك الغريب المحال يدع عنك إزراءه الساخرفحسبك أنك رمت الكمال وأنك فـي عـجزهم قـادرفهؤلاء الذين جروا وراء الغريب من المعاني،راكبين مهر الحداثة الجامح،يقفون موقفا عدائيا من الشعر العمودي، حتى أصبح شعراؤه يتسولون الرضا في المنتديات والصالونات الأدبية،وكأن الشاعر العمودي أصبح مطليا بالقار أجرب، مما حدا بحسن متولي أن يقول:ترحل لا تقم أبدا بأرض يطاول بعرها درر اللآليودعونا نلقي الضوء على التجربة وصاحبها من خلال النصوص المعروضة عبر ديوانه؛ لنحدد شخصيته من خلال موضوعاته، فهو شاعر وطني، متمكن من لغته مبنى ومعنى، ولم لا؟ وهو معلم لها،متعبد في محرابها يأخذ منها أوراده وأدعيته، يعبر في قصائده عن انتمائه لبيئته ووطنه الذي ينتمي إليه، فجاءت قصائده محملة بالحب وصدى للوجدان، فجاء الحرف نبضة من نبضات القلبإذ يقول عن موطنه (كفر الشيخ):لكفر الشيخ ما يدعو بنيها إلى أن يبدعوا الأشعار فيهالها من سابغ النعماء فضل يروح به الفتى زهوا وتيهاوهل مثل الوفاء لرد دين وكم ذا قـد رعـت أم بنيــهابدلتا نيلها المــعطاء تبدو كفلـج الحـسن خـلابا بفيهافدلت بالذي يختــال حـسنا بأن قد فاز حـتما مستبيها فالكتابة تصور الانفعال،والانفعال حركة توقع بصورة صوتية وبذلك تأتي موسيقى العمل الأدبي معبرة عن عاطفة صاحبه،فكان استخدام بحر الوافر هنا معبرا عن عاطفة الحب والانتماء ،فارتبط الوزن بالعواطف والمعاني.ومما يدل على هذا الانتماء أيضا قصيدته(إلى مصر) حيث لا يتنكر لها أو ينكر فضلها، ويعرف وفاء الرجل بحنينه إلى أوطانه،ووفائه لأهله وإخوانه. فيقول:لمصر العزيزة في ذمتي صنوف من الفضل والنعمةفمنها رشفت رحيق الحياة وفيـــها ظــلالي في الوقــدةومهد الطفولة في حضنها وعــهد الصبابة والصــبوةدماء الشرايين من نيلـــها سرت من شرايينه العذبـةوفيها قرأت كتاب الحــياة تجلى سطــورا على صفحتيثم لا ينسى دوره في إيقاظ همم أبناء وطنه مصر، وحثهم على القيام بدورهم ،فيقول: فقوموا بني مصر هذا الأوان لسعي حثيث إلى النهضةفهنا شاعر وأبناء وطن،وكل قوم يحبون تجديد أنفسهم ،وبعث قوميتهم،والشعر رسالة،والشاعر هنا يستنهض أبناء الوطن، فهو يعرف ما يكمن في الشباب من حداثة وقيم وآراء إذا وضعوها في خدمة وطنهم يظلون قائمين لا ينحنون، فهذا هو الوقت المناسب للنهوض من الرقدة، والقيام من الغفلة،ولذلك جاء بالظرف الاعتراضي(هذا الأوان) الذي لم يأت عفويا إنما هي لحظة الكشف والشاعرية التي تلقي بالكلمة في طريق الشاعر،فيكون لها سحرها وجمالها، فهو وفق في اختيار الوقت المناسب للنهوض، والأمة في حراكها السياسي،والشارع يطالب بالإصلاح والتغيير،تحتاج إلى من يقوم عنها ليغير الأوضاع المتردية، فلا يأس ولا خنوعفبالعزم لا يستحيل الرجاء وأمــا الشـــقاء ففي الكبوةوهل ينفع العاجزين الرجاء بــلا أي حــــول ولا حــــيلةوهل يمطر الجـو خبز الجياع ولم يزرعوا الأرض بالحنطةإن حسن متولي المعجون بتراب هذا الوطن،والمهموم بقضاياه لم ينس بغداد الألم والجرح النازف، فهو يكتب إلى( دجلة والفرات)سينية لا تقل جمالا وروعة عن سينية البحتري فيقول:لدجلة والفرات هوى بنفسي يجــل عــن التصبر والتأسيوهل لمضاعف الأشواق سلوى وفي الإصباح تغمرنا وتمسيوما مــن مــرفأ لسفين وجـــد تحط رحالها ولديه تـــرســــيحــرام هـــذه اللـقيا علـــــينا وكل حظــوظنا تــذكــار أمــسوما السين المكسورة في القافية إلا دلالة على الانكسار النفسي للشاعر وحزنه لما تعرض له العراق من ظلم على أيدي جلاديه وعملائهمفيا من يستعين بسيف جور على الإخوان عدت بسوء تعسفــذا من باع للأشرار شعبا وهذا في الجــــلاد عظــيم درسإن ربة الشعر اختارت حسن متولي لهذا اللون التقليدي الذي وجد نفسه فيه، شأنه شأن كبار الشعراء في أزهى عصور الأدب ، يقول الشعر ولا يرجو به نوالا من أحد إنما هو صدق العاطفة،ونبض الوجدان، وهو الذي عاش فترة في بغداد،واقترب من ثقافتها،وعايش شعبها وأحداث ملماتها حتى أنه اختصها في ديوانه بقصيدتين،وأعلن عن حنينه لها :سلاما يا بلاد الشعر إني يحن إليه في بغداد طرسيلم ينفصل حسن متولي عن قضايا وطنه والأحداث الكبرى التي تعرض لها الوطن وهذه غزة كان لها نصيب من شاعريته وحسه المرهف وهي تئن تحت حصار الترهيب والتجويع ،فيقول:أكتافنا زاد ومـــاء عيــــوننا إن عز ماء النبع فهو الماءوكذا القلوب فلا تضن بنبضها دفق المحبة فيضهن عطاءوهو شاعر مسلم من الأشراف،ينتمي إلى الدوحة الهاشمية، منتسبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول في قصيدته (شرف انتساب):خرجت من التراب إلى السحاب بنيلك في الورى شرف انتسابلدوحـــة هاشـم لعــــظيم أصــل فزدت من الكرامة في النصابوهل كــمحمد شــــــرف وأصــل هززت إلــيه في شغـف ركابيهذا الانتساب أكسبه تلك الروحانية والنورانية التي تجلت في قصيدته(من وحي الحج)يهفو إليك على الدوام فؤادي يا قبلة الإنعام والإسعادأسمى الأماني أن أفوز بركعة في البيت في الحرم الجليل النادييا لهف نفسي يوم أول ضمة للكعبة الغراء حضن فؤاديقلبان:قلب للــدنا ومــعذب بالشوق قد جمعا بخير بلادهذا غيض من فيض،ينبئ عن صوت شعري يحق لنا الاحتفاء به في إصداره الأول،وإطلالته الأولي على الساحة الأدبية بديوان مطبوع، ولكن هناك بعض الوقفات النقدية والهنات اللغوية والعروضية، يجب أن ألفت نظر الشاعر إليها ،ومنها:1
- ميل الشاعر إلى النظم ،وبعده عن الشاعرية في قوله:يالهف نفسي والشجون هواطل كثر فلا حصر ولا تعدادفكلمة (تعداد) بعد كلمة(حصر )لم تضف للمعنى شيئا إذ إن الحصر هو التعداد ، والكلمة مجلوبة للقافية.= توقف الجريان العاطفي،وانقطاع سريانه في قصيدة (لماذا الحزن)حيث بدأ الشاعر قصيدته:لماذا الحزن والدنيا تدور ولا ألم يدوم ولا سروروبعد واحد وعشرين بيتا عاد الشاعر للأسئلة نفسها ، ولو أعاد الشاعر ترتيبها وأتى بها بعد البيت الأول لكان أجمل على هذا النحو:لماذا الحزن والأطيار تشدو وفوق رؤوسها حكمت صقورلماذا الحزن والأنهار تجري وكم بطريقها عرضت صخورلماذا الحزن والأزهار تهدي برغم الشوك ما احتجبت عطورلماذا الحزن والأقدار تمضي وفاز شكورها ســـخط الكــفوروعلى المستوى اللغوي وفي مستوى النحو= يقول الشاعر: ... هذا البهيُّ كوكبٍ وقّاد بجر( كوكب) وحقها الرفع إلا أن يأتي بحر ف التشبيه الكاف ليستقيم الوزن ويبقى الجر.= وفي قوله: ... سيزيد نارَ الشوق قدحَ زناد . بفتح (قدح)وحقها الضم= ويقول: ... وهل طلبُ الكمالَ بها بصيرُ بضم (طلب) وفتح (الكمال) والسياق ينبئنا بأن كلمة (طلب )فعل ماض مبني على الفتح= ... لِم لمْ توحدُ جمعكم نكبات. برفع توحد وحقها الجزم= في ياسينية الشهادة يقول: يسُ هكذا بضم (يسُ والقرآن إنا معشر)الأخطاء العروضية:= الديوان يضم ثلاثا وعشرين قصيدة اعتمد في نظمها الشاعر على أربعة بحور ، قصيدة من البسيط ،وثنتين من المتقارب،وإحدى عشرة من الكامل، وتسع قصائد من الوافر ، وهذا دلالته عندي أنه يجيد السباحة في هذه الأبحر،أو أن موضوعات القصائد فرضت عليه ذلك.= وقد اتضح لي تداخل البحور وخاصة في ضرب الكامل فالتحولات الحادثة في هذا البحر تخص بحر الرمل ،ومن ذلك:قصيدة من وحي الحج، كلها يوجد بها هذا الخلط،مثال:قد طال شوقي والحياة قصيرة ولكم أتاح لي الكريم مراديفالضرب(ممرادي) من تحولات بحر الرمل(حركة+حركة+حركة+سكون+حركة+ساكن) على فعلاتنوكذا في معظم الأضرب من الكامل مثل: (البيت الأول إسعاد) فالاتن وهي أيضا من تحولات بحر الرمل= ومن مجزوء الكامل (لأيمن ابني وأحمدا) كسر بيّنفمن الملحوظ أن تغيرات النغم والإيقاع صورة ظاهرة للتغيرات الانفعالية الباطنة،فهي ترتبط بالعواطف والمعاني إذا كانت التغيرات الحادثة مما يجوز في البحر الواحد،أما أن تتغير الإيقاعات من بحر إلى بحر فهذا لا ارتباط له،لا بمعنى ولا عاطفة.وفي التجارب الأولى لا ينشد الكمال كله ،وما قلته لا يقلل من التجربة أو من الجهد المبذول فيها ، ولعل هذه القراءة تكون قد أضاءت وأضافت إلى الديوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق